سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} قال قتادة: كان حبيب في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم: تسألون على هذا أجرًا؟ قالوا: لا فأقبل على قومه فقال: {يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون}، فلما قال ذلك قالوا له: وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم؟ فقال: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ حمزة ويعقوب: {ما لي} بإسكان الياء، والآخرون بفتحها. قيل: أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم، لأن الفطرة أثر النعمة، وكانت عليه أظهر، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق.
وقيل: إنه لما قال: اتبعوا المرسلين، أخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: {ومالي لا أعبد الذي فطرني} وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم.
{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} استفهام بمعنى الإنكار، أي: لا أتخذ من دونه آلهة، {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ} بسوء ومكروه، {لا تُغْنِ عَنِّي} لا تدفع عني، {شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} أي: لا شفاعة لها أصلا فتغني {وَلا يُنْقِذُونِ} من ذلك المكروه وقيل: لا ينقذون من العذاب لو عذبني الله إن فعلت ذلك. {إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} خطأ ظاهر.


{إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} يعني: فاسمعوا مني، فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه.
قال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره.
قال السدي: كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي، حتى قطعوه وقتلوه.
وقال الحسن: خرقوا خرقا في حلقة فعلقوه بسور من سور المدينة، وقبره بأنطاكية فأدخله الله الجنة، وهو حي فيها يرزق، فذلك قوله عز وجل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}، فلما أفضى إلى الجنة {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} يعني: بغفران ربي لي، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه، ليرغبوا في دين الرسل.
فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة، فأمر جبريل عليه السلام فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم، فذلك قوله عز وجل: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} يعني: الملائكة، {وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ} وما كنا نفعل هذا، بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون.
وقيل: معناه {وما أنزلنا على قومه من بعده} أي: على قوم حبيب النجار من بعد قتله من جند، وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم، كالطوفان والصاعقة والريح. ثم بين عقوبتهم فقال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً}، وقرأ أبو جعفر: صيحة واحدة بالرفع، جعل الكون بمعنى الوقوع.
قال المفسرون: أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة، ثم صاح بهم صيحة واحدة {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون.


{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} قال عكرمة: يعني يا حسرتهم على أنفسهم، والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان: أحدهما: يقول الله تعالى: يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل.
والآخر: أنه من قول الهالكين. قال أبو العالية: لما عاينوا العذاب قالوا: يا حسرة أي: ندامة على العباد، يعني: على الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري: الحسرة لا تدعى، ودعاؤها تنبيه المخاطبين. وقيل العرب تقول: يا حسرتي! ويا عجبًا! على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فكأنه يقول: أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟
حقيقة المعنى: أن هذا زمان الحسرة والتعجب. ثم بين سبب الحسرة والندامة، فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
{أَلَمْ يَرَوْا} ألم يخبروا، يعني: أهل مكة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} والقرن: أهل كل عصر، سموا بذلك لاقترانهم في الوجود {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} أي: لا يعودون إلى الدنيا فلا يعتبرون بهم.
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} قرأ عاصم وحمزة: {لما} بالتشديد هاهنا وفي الزخرف والطارق، ووافق ابن عامر إلا في الزخرف، ووافق أبو جعفر في الطارق، وقرأ الآخرون بالتخفيف. فمن شدد جعل {إن} بمعنى الجحد، و{لما} بمعنى إلا تقديره: وما كل إلا جميع، ومن خفف جعل {إن} للتحقيق و{ما} صلة مجازه: وكل جميع {لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.
{وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} بالمطر {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} يعني الحنطة والشعير وما أشبههما {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} أي: من الحب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8